ميثاق عائلة الشيحة

مقدمة:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام وصلوها. وعن عكرمة في قوله: {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا، وخير لكم في آخرتكم”، وأخرج ابن جرير عن الضحاك أن ابن عباس كان يقرأ (والأرحام) يقول: “اتقوا الله لا تقطعوها”.

وأما عن فضل صلة الرحم في السنة المطهرة فإن فضلها عظيم وثوابها كبير كما بين ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة من سنته الشريفة، ومن ذلك أن صلة الرحم تزيد في العمر وتبارك في الرزق، إذ أخرج البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه» (متفق عليه)، ينسأ معناه: يؤخر له في أجله ويزداد له في عمره.

وأخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي عن عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمرن الديار، ويزدن في الأعمار». وأخرج الطيالسي عن عمرو بن سهل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل». ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر وبسط الرزق الواردين في هذه الأحاديث أن المقصود بالزيادة هو أن يبارك الله تعالى في عمر الإنسان الواصل ويهبه قوة في الجسم ورجاحة في العقل، ومضاء في العزيمة فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال. كما أن الزيادة على حقيقتها فالذي يصل رحمه يزيد الله له في عمره ويوسع له في رزقه.

إن صلة الرحم دليل على الإيمان بالله واليوم الآخر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». كما أن من وصل رحمه وصله الله عز وجل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله عز وجل: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته، أو قال: بتته أي قطعته». كما أفضل الصدقة هي الصدقة على الأرحام، إذ صح عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الصدقة صدقة على ذي الرحم الكاشح»، ومعنى الحديث: أن أفضل الصدقة على ذي الرحم الذي اضمر العداوة في كشحه؛ لأنها تكون صلة وصدقة لذي رحم مقاطع. كما ان الله سبحانه وتعالى قد كفل مضاعفة ثواب الصدقة على ذوي الأرحام، فعن سلمان بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة». وأن صلة الرحم سبب من أسباب دخول الجنة، فعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

وأبلغ صور صلة الرحم هو ان يصل الانسان من قطعه، فيتضح ان صلته خالصة لله سبحانه وتعالى وأن الإنسان لا ينتظر منهم جزاءً ولا شكورا، ولذا فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال؟ فقال: «يا عقبة صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعف عمن ظلمك»، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عليهم ويجهلون علي، فقال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل -الرماد الحار- ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك».

والتالي هو استعراض لبعض مفاصل الميثاق محاطاً ببعض فضائل صلة الرحم في القرآن والسنة:

أولاً: الحاجة للميثاق:

في ظل التوسع الكبير الذي تشهده الأمم والشعوب في ازدياد أعدادها وتوسع أعمالها وكثرة انشغالاتها، بدأ في الآونة الاخيرة في مجتمعاتنا يزداد الاهتمام بقيمة الترابط بين أعضاء العائلة الواحدة وهو الأمر المحمود في ديننا حيث تناول ذلك كل من الكتاب والسنة بشكل مستفيض تستطيع معه إعداد المؤلفات. ويأتي حرص أفراد عائلة “الشيحة” على أن تتألق كأسرة نموذجية بين المجتمعات والعوائل والأسر المحيطة بها علماً وعملاً وسلوكاً وأخلاقاً، إذ جعلوا من أولى أولولياتهم الاهتمام بإنشاء ميثاق للتميز والتألق والإبداع ليكون هو المرجع الرئيس للعائلة ليرشدهم ويذكّرهم كلما نسوا مفاصله، والتالي هو استعراض لبعض مفاصل الميثاق.

ثانياً: الحياة المتزنة:

حيث أننا نرغب في أن يكون أبناء العائلة على قدر رفيع من الاتزان في حياتهم بحيث لا يطغى عنصر على آخر، إذ أن الاتزان درة ثمينة لا يقدر عليه كثير من الناس وهو له ثمن يجب دفعه، ولعل ثمنه يتمثل في شدة الالتزام في إحداث ذلك التوازن. والحياة المتزنة تتمثل في عدة أوجه منها:

  • الجوانب الروحانية

لا أحد ينتمي إلى هذا الدين المطهّر ويحمل عقلا يميزه عن غيره ثم يأتي ويقول أن الانشغال في الجوانب الروحانية أمر ثانوي، بل هو من أولى الأساسيات وأجلّها، ولا يمكن أن نتخيل النجاح والفلاح في ظل غياب الطمأنينة والسكينة والاستقرار النفسي والذي لن يتأتى دون ارتباط العبد بخالقه.

إن الاعتناء بالجوانب الروحانية لدى أفراد العائلة هو العنوان الحقيقي لها، فقد عُرفت العائلة بدينها وقيمها وأخلاقها والتي هي ثوابت مستمدة من الجوانب الروحانية، والتي لن نحيد عنها ما حيينا. والتذكير والتأكيد على أبنائنا بمثل هذه الأمور هو من الأمور المحببة إن لم تكن واجبة، فالمحافظة على الصلوات في الجماعة، وبر الوالدين، والتمسك بالزكاة والحرص على الصدقات وحب المساكين والعناية بالفقراء، والأخوة في الله، والإخلاص في العمل، كل ذلك من المحركات الرئيسة في العلاقة الروحانية مع الله سبحانه وتعالى، ومما يعين على البركة والسعة في الرزق، والنجاح والفلاح في العمل في الدنيا واستثمار في الآخرة.

  • الاعتناء بالجسم

لا أحد ينكر أن الله سبحانه وتعالى قد أودع لدينا أمانة جسيمة سيحاسبنا على التفريط بها، إنها أمانة الحفاظ على البدن والعناية به ورعايته أجمل رعاية. ولعل من مقومات تميز الإنسان هو أن يكون لديه جسم صحيح سليم، ينعكس تلقائياً على عقله ليكون عقلاً سليماً إيجابياً يعينه على النجاح. وتبرز صور الرعاية والاهتمام بالجسم من خلال عدة أوجه منها: التغذية الصحيّة للجسم من خلال الأكل الصحي المفيد والطازج وكل ما يدخل في مكوناته، وكذلك الاهتمام بالرياضة والعمل عليها من خلال برنامج مؤطر ومقنن ومنتظم، والكشف الطبي الدوري المنتظم لمعرفة عمل وظائف الجسم المختلفة والكشف المبكر عن أية بوادر سلبية في جسم الإنسان لا قدر الله، والاعتناء بالأسنان والمحافظة عليها بشكل دوري، وغير ذلك مما سيضمن لنا الجسم الصحي السليم والخالي من الأمراض، وبالتالي يضمن لنا حياة كريمة مستقرة.

  • تغذية العقل

وما فائدة الاهتمام بالروحانية والجسم ومن ثم تعطيل العقل؟!

كي نستطيع أن نحصل على الدورة الكاملة للنجاح والتألق فلا مناص من الاستثمار في الاعتناء بالعقل وتغذيته، وأبواب ذلك كثيرة وواسعة. ويأتي هنا التركيز على المدخلات التي يمكن أن تغذي العقل كي نحصل على المخرجات الإبداعية القوية والجديرة بأن تجعل من الإنسان شخصا أفضل، وتسهم في تطوّره ورقيّه.

إن أهم غذاء للعقل هو القراءة والتي يجب أن تكون عادة وهواية لدى الشخص لا ينفك منهما، وأن يقرأ في جميع المجالات الفنية والعلمية قدر الإستطاعة، حيث سيجعله ذلك على دراية أوسع بالعالم من حوله، وسيجعله شخصا واثقا من نفسه، قويا بمعلوماته عند الدخول في أي حديث. كذلك يمكن تنمية العقل بالتدريبات الذهنية التي تعتمد على تنمية مهارات معينة لدى الإنسان، فهناك بعض التمارين مخصصة لتنمية التركيز وتمارين لقوة الملاحظة، وتمارين لزيادة سرعة استرجاع المعلومات، وتلك الأشياء تعتبر من مصادر تغذية العقل بشكل مباشر، وتجعله في حالة متألقة دائماً.

  • الترويح عن النفس

فهو أوجه النشاط غير الضارة التي يمكن أن يقوم بها الفرد أو الجماعة في أوقات الفراغ بغرض تحقيق التوازن، أو الاسترخاء وإدخال السرور والتنفيس عن النفس الإنسانية وتجديد همتها ونشاطها في ضوء القيم والمبادىء الإسلامية.

  • حُسن التفاعل مع البيئة المحيطة

ما أروعها من لحظات حينما تكون قدوة لمن حولك!، وما أجملها حينما ترى من يتأثر بقولك ويقتدي بعملك!، وبالتالي فهي فرصة ليجعل أبناء العائلة جميعهم ذلك الحلم واقعا من خلال التفاعل مع الآخرين والتأثير عليهم، فدخولنا المسجد بهدوء وبنظافة وبترتيب وبوضع الأحذية في المكان المخصص لها، ومن خلال قيادتنا الآمنة والوقائية لمركباتنا، ومن خلال انتظارنا في الطابور وفتح الباب للآخرين وعدم إغلاقه في وجه من خلفنا، ومن خلال عدم البذائة في القول والفعل والتأدب بأدب العائلة والتمثّل بالاخلاق الحميدة والرفيعة، ومن خلال تواضعنا وخفض الجناح وعدم تفاخرنا بالأنساب والأحساب، كل ذلك دونما شك سيؤثر بمن حولنا تأثيراً لا حدود له.

ثالثاً: ما هو المأمول منّا:

كلنا ندرك بأننا لسنا مثاليين في هذه الحياة، وبحكم أننا بشر فإنه يعترينا الكثير والكثير من النقص والتقصير والأخطاء، ولكن هذا لا يعني بأن لا نقوم بدورنا ونتجاهله، ولكن يعني بأن نتذكر ميثاق العائلة دوماً في جميع حركاتنا وأقوالنا وسكوننا وسلوكنا. إن وجود مثل هذا الميثاق سيذكرنا دوماً بمنبتنا المُربِع وبأصلنا الطيب الذي لا نقبل أن نتغنى به، وإنما نريد لسلوكنا وأقوالنا وأفعالنا أن تتغني هي به ليتفاعل هو ويتحدث عنّا معشر أبنائه.

خاطرة، لعلّ لاسمنا من الطيب نصيب!

الأمثلة التي تستحق التأمل كثيرة جداً، ودعونا نختار منها مثالاً واحداً لنتوقف عنده وهو شجر “الشيح” لقرب اسمها من اسم العائلة “الشيحة”. و “الشيح” نبات عشبي بري لأوراقه رائحة عطرية قوية وطيبة، و يستعمل في الطب.  مذاقه مر وينمو في المناطق السهوبية في بعض البلدان العربية وله فوائد كثيرة، يستعمل في الطب الشعبي. ويستعمل النبات كاملاً عدا جذوره. والمواد الفعالة في “الشيح” زيته ومادة السانتونين المتوفرة فيه، والفعالة في طرد الديدان من المعدة، كما أنه يقطع البلغم ويعالج المغص، ويطرد الغازات من البطن. ويستخدم “الشيح” كبخور حيث يحرق في المنازل لتطهيرها من الروائح الكريهة وللقضاء على فيروس الانفلونزاولطرد الهوام.  إن ابرز ما يمكن استنتاجه مما ورد أعلاه عن هذه الشجرة هو أنها:

  • لها وجود على سطح الارض وتنافس غيرها من النباتات والمخلوقات وتجذب إليها من يعشقها.
  • لها رائحة طيبة وتتجاوز رائحتها حدودها لتمتد لمن حولها.
  • فيها منافع فهي دواء للناس.

وبالتالي فهي دعوة لكامل أفراد العائلة بأن نكون على الأرض كشجرة “الشيح”، نؤثر على المجتمع بعلمنا وفكرنا وتألقنا، نفعٌ لمن حولنا بجميل قولنا وحسن عملنا، وطيبٌ لمن استنشقنا بسلوكنا وبعدنا عن الأذى، وما ذاك سوى ترجمة لقيم ديننا العظيم..

 

إعداد: لجنة التميز