من طبيعة الاجتماع الإنساني تعدد الاّراء فالله خلقنا مختلفين شعوبا وقبائل وألسنة لنتعارف ونتكامل .. لكن لا بد أن يكون ذلك الاختلاف داخل المشترك وما يحقق صالح المجموعة .. وحقيقة الأمر أنه عند اختلاف وجهات النظر .. ليس بالضرورة أن يكون أحد الطرفين أكثر صوابا من الآخر .. فقد يكونان ينظران للموضوع نفسه من زاويتين مختلفتين .. واختلاف البشر فيما بينهم سنة كونية قديم منذ بدء الخليقة واستخلافنا في الأرض .. ومع مضي الزمن يتسع الاختلاف لأسباب ثقافية واقتصادية وسياسية ..
والاختلاف بحد ذاته ليس بمشكلة .. حتى وإن بدى كبيرا .. إلا أن من المهم أن يكون النقاش والحوار بحكمة وموضوعية وحيادية وبنية البحث عن الأفضل لكلا الطرفين .. فالصحابة رضوان الله عليهم اختلفوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته ولكنهم كانوا مثالا للرقي في التعامل فيما بينهم احتراما والتزاما بالقيم والخلق الرفيع ..
إذن .. ما هو الاختلاف؟
الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله .. والخلاف أعم من “الضد” لأن كل ضدين مختلفان .. وليس كلُّ مختلفين ضدين .. ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة ..
محاذير التمادي في الاختلاف
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاختلاف والتمادي فيه .. فقد كان يدرك عليه الصلاة والسلام أن بقاء هذه الأمة رهين بتآلف القلوب التي التقت على الحب في الله .. وأن حتفها في تناحر قلوبها .. لذلك كان عليه الصلاة والسلام يحذر من أن يذر الخلاف قرنه فيقول: “لا تختلفوا فتختلف قلوبكم” .. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يرون أن الخلاف لا يأتي بخير كما في قول ابن مسعود رضي الله عنه: “الخلاف شر” ..
فإذا كان التمادي في الاختلاف شرا .. فما السبيل لجعله إيجابيا؟
أولا .. منطلقنا كمسلمين هو إحسان الظن .. وهو ما قد يجعل أي موقف نقف فيه إيجابيا .. ومن هذا المنطلق تكون أسباب الخلاف المحتملة أخف وطأة وأقرب إلى التعامل العقلاني والراقي ..
وقد يكون الاختلاف بسبب الجهل بالشيء .. فإذا حصل التبيان حصل التوافق ..
أيضا .. قد يكون سبب الاختلاف اجتهاديا في أمور يحتمل فيها الاجتهاد .. فهذا مما يحمد .. فليس كل اختلاف هو اختلاف تضاد بل قد يكون اختلاف تنوع!
وعلى أي حال .. فإن الرفق في التعامل أدعى للوصول لحل توافقي أو حتى الافتراق على خير .. فالرفق أصل من أصول الدعوة ومبدأ من مبادئ الشريعة .. وفي حديث الرجل الذي بال في المسجد وزجره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. نهاهم عليه الصلاة والسلام قائلاً: لا تزرموه – أي لا تقطعوا بوله – وأتبعوه ذنوبا من ماء وقال للرجل إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات.
أيضا .. حتى يكون الاختلاف حضاريا .. يجب ألا يكون بغير علم وإحاطة بالموضوع قيد الاختلاف .. فالإلمام بكامل المسائل قبل إسناد رأي عليها في غاية الأهمية ..
وإذا ما روعيت آداب الاختلاف .. كان النتاج إيجابيا .. ومن ذلك:
- أنه يتيح – إذا صدقت النوايا – التعرف على جميع الاحتمالات التي يمكن أن تكون حلا .. ففي الاختلاف رياضة للأذهان .. وتلاقح للآراء .. وفتح مجالات التفكير للوصول إلى سائر الافتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول إليها ..
- تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعة ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي هو فيه بما يتناسب وحاله ..
- إكساب الأفراد الثقة بالنفس والقدرة على المواجهة وإيجاد الحلول.
- الاختلاف في الرأي رحمة لأنه من المستحيل حمل الناس على رأي واحد!
وعائلتنا التي تمتاز بالثقافة العالية لأبنائها .. ربما حملها ذلك على التباين في آراء أبنائها حيال بعض القضايا الخاصة والعامة .. وهو بلا شك إثراء للنقاش وإسهام في تلاقح الأفكار .. بما يعود بالنفع على الجميع .. وطالما أن جميع أبناء العمومة ينشدون أوضاعا مربحة للجميع فإن النقاش سيكون إيجابيا .. ولذا كانت النوايا الصافية الصحيحة شرطا أساسيا في في أدب الحوار ونفعه للمتحاورين ..
اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا .. وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا .. وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ .. وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ .. وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ .. وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا .. وَأَبْصَارِنَا .. وَقُلُوبِنَا .. وَأَزْوَاجِنَا .. وَذُرِّيَّاتِنَا .. وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .. وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ .. قَابِلِينَ لَهَا .. وَأَتِمِمْهَا عَلَيْنَا ..
المراجع: