أحمده سبحانه، وأثني عليه وأشكره على مزيد الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعزنا بالإسلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، سيد الخلق ورسول الحق وخير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه:25-28].
أما بعد:
أحييكم أيها الأحبة بتحية الإسلام المباركة: فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
سمعنا -أيها الإخوة!- من أصحاب الفضيلة مشايخنا ما حذروا منه، وأوصوا به. كيف يكون المؤمن وجلاً خائفاً؟ وإذا غمر قلب المؤمن الخوف من عذاب الله والرجاء في ثواب الله، سارع إلى العمل الصالح. والله سبحانه وتعالى يقول ويأمر ويحذر: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان:33] أي: اتقوه في طاعته واجتنبوا معصيته.
والتقوى: أن تطيع الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وتجتنب معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله. أي: لا يفتقدك ربك حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك.
والتقوى هي: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل.
هذه الدنيا -أيها الأحبة- دار الأعمال. ودار الآخرة دار الجزاء والثواب والعقاب، واغتنموا فرصة الحياة لتسارعوا إلى الأعمال الصالحة، والاستقامة على أمر الله سبحانه وتعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن المستقيمين لهم جزاء عظيم، إذ يقول الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14] توحيد واستكانة على كلمة التوحيد، فإذا كانت حياتنا نابعة من الإيمان بالله جل وعلا وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، صلحت أحوالنا وصلحت أعمالنا وصلحت حياتنا.
مجاهدة النفس على الطاعة
أيها الحبيب: لابد في هذه الحياة من مجاهدة النفس، فالنفس أمارة بالسوء، وقد تغر الإنسان هذه الحياة الدنيا ومتاعها وزخارفها، فالله يحذرنا من هذه الدنيا: اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33].
الله سبحانه وتعالى يحاسبك ويستنطقك عما قدمت من أعمال في هذه الدنيا، فحذار -أيها الحبيب- هذا اليوم الذي قال الله جل وعلا فيه: فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ [عبس:33-38].
اللهم اجعل وجهنا من هذه الوجوه وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس:38-42].
أيها الأخ الكريم: فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ [عبس:33] هذا اليوم الذي يفر فيه القريب من قريبه، والابن من أبيه، والأم من ابنها، كلٌ منهم همه نفسه وهمه حاله؛ لأنهم في يوم رهيب عصيب.
إذاً أيها الأخ الكريم: احذر ذلك اليوم، واعرف ما ينبغي عليك أن تؤديه في هذه الحياة الدنيا من عمل صالح يرضاه ربك وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن فعلنا ذلك أنجحنا وأفلحنا وفزنا في حياتنا الدنيوية، وفي حياتنا البرزخية وفي حياتنا الأخروية، ذلك اليوم الذي يفر الابن من أبيه، يقول الأب في ذلك اليوم لابنه: حسنة يا بني، فيقول الابن: يا أبتِ إني بحاجة إلى هذه الحسنة، كلٌ همه نفسه في ذلك اليوم، وتقول الأم لابنها: حسنة يا بني طالما كان حضني لك وقاء، وصدري لك سقاء، وحجري لك وطاء فحسنة يا بني، فيقول الابن: إنني يا أماه أشكو مما تشكين منه.
المبادرة بالإيمان الصادق والعمل الصالح
إذاً أيها الأخ الكريم! بادر في الحياة الدنيا إلى الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والعلم النافع الذي يكون في ميزان أعمالك، فإن كان كل مسلم مؤمن همه كيف تصلح حياته الدنيوية، وحياته البرزخية، وحياته الأخروية، فلا يكون ذلك إلا باستقامة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأحبة: هنا عمل ولا حساب وغداً حساب ولا عمل، فلنتقِ الله في أعمالنا وأحوالنا وأقوالنا؛ لكي نفوز برضا ربنا، ونحشر في زمرة نبينا صلى الله عليه وسلم، فهذا يحتاج إلى مجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
مرتبة الإحسان .. وأهميتها
أيها الأخ الكريم: إن الإحسان أعظم ركن في الدين: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) هذا الركن العظيم إذا عملنا به، وإذا أحسنا العمل به، وإذا أحسنا العبودية لله رب العالمين، صلحت أحوالنا وصلحت أعمالنا.
ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما ما يحبه ويرضاه من الاستقامة على نهجه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله أسأل أن يعز دينه، ويعلي كلمته، ويصلح عباده إلى السير في طريقه المستقيم، وعلى منهجه القويم، إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*كانت هذه كلمة للشيخ محمد بن سليمان الشيحة رحمه الله ضمن (سلسلة لقاء الخير) والذي حضره مجموعة من كبار المشايخ من ضمنهم محمد مختار الشنقيطي والشيخ محمد الدويش وغيرهم ..
هنا تجدون التسجيل الصوتي للكلمة والتي تبدأ في الدقيقة 47 ..